في بعض المواقف لماذا لا نستطيع ضبط النفس؟
خمس خطوات لضبط انفعالاتنا
حصة الغامدي
الأخصائية النفسية
بمجمع الأمل بالرياض
كثيرا ما نمر بحالات من الغضب ، تختلف الدرجة والطريقة التي نعبر بها عن انفعالنا باختلاف المكان والزمان وباختلاف الطرف الآخر .. سواء في المنزل مع أحد أفراد الأسرة .. أو في العمل مع الزملاء أو أحد المراجعين أو حتى مع رئيس العمل أو في أماكن الدراسة أو المعلمين أو في الأماكن العامة . مع أفراد قد لا نعرفهم معرفة شخصية وكثيرا ما نعتقد أن الآخرين هم السبب في انفعالنا وغضبنا لدرجة أننا نحملهم السبب والنتيجة الحاصلة من ثورة الغضب سواء كانت النتيجة سلوكية أو لفظية...
ولكن الحقيقة عكس ما ندركه،
وهي أننا السبب في انفعالنا ونحن اخترنا أن نغضب وليس الآخرون من اختار ذلك ونحن المسؤولون عن تصرفاتنا وسلوكياتنا وما ينتج عنها من عواقب .
إذن كيف ولماذا اخترنا أن نغضب؟
العامل الأول : تفسيرنا السلبي للموقف هو العامل الأول ، وتبعا لذلك يبدأ الحوار الداخلي السلبي في تزايد حتى يصل بنا إلى درجة من الغضب والانفعال السلبي..
مثال (
طلب خالد من أحمد أن يحضر له كتابه الذي استعاره منه أحمد منذ فترة .. فحدد له أحمد أن يحضره له عند الساعة الثامنة .. تأخر أحمد عن موعده المحدد، فبدأ خالد بالتوتر والقلق وبدأ يحدث نفسه بحديث سلبي (تأخر أحمد كثيرا ، إنه إنسان لا مبال ومهمل ولا يحترم أوقات الآخرين ، لو أنه يحترمني أو يقدرني لما تأخر .. الخ) حتى وصل به هذا الحديث إلى درجة من الغضب والانفعال السلبي).
لقد اختار خالد أن يغضب ، طالما أنه فسّر الموقف بشكل سلبي ،كان باستطاعة خالد أن يكون أكثر هدوءا وأقل انفعالاً لو فسر الموقف بشكل ايجابي ، وذلك يتضح عندما يقول (
يبدو أن أحمد حصل له موقف طارئ أخره عن موعدنا).
العامل الثاني: الذي يجعلنا نختار الغضب هو اعتقادنا بأننا غير مسئولين عن سلوكياتنا وتصرفاتنا وقت الغضب(
من سب وشتم أو ضرب أو تخريب وتكسير)،كثيرا ما نقول إن فلانا هو السبب أو هو الذي جعلني أخرج عن طوري وأفعل ما فعلت .. في الحقيقة لا أحد مسؤول عن تصرفاتنا خاصة وقت الغضب والانفعال ، ولا أحد يستطيع أن يسيطر علينا لدرجة أن يجعلنا نسلك سلوكا غير جيد إلا باختيارنا إذن نحن المسئولين.
العامل الثالث: اعتقادنا بأن الغضب طبع فينا وأننا لا نستطيع أن نغيره بينما الغضب صفة تم تعلّمها واكتسابها ممن حولنا في مواجهه بعض المواقف بالانفعال والغضب ..من الوالدين أو الإخوة أو ممن لهم تأثير علينا وغالبا يكون هذا التعلم والاكتساب من الصغر.. لذلك أي صفة متعلمة أو مكتسبة إذن هي صفة قابلة للتغيير والتعديل .. وهذا شيء جيد.
العامل الرابع: في اختيارنا للغضب هو اعتقادنا في بعض المواقف وأمام بعض الأشخاص بأننا نكون أكثر قوة وهيبة أمام أنفسنا وأمام الآخرين .. وأن هذا يجعل الآخرين أكثر تهيبا لنا ويحسبون لنا ألف حساب.
في الحقيقة هذا غير صحيح ..قد يظهر الآخرون لنا بعض الاحترام والمراعاة في المعاملة من أجل عدم الدخول معنا في معارك انفعالية ..لذلك نجدهم يبتعدون عنا في الأوقات حتى ينجوا من غضبنا الجامح.
العامل الخامس: شعورنا بعدم الأهمية أو عدم الأمان أثناء حدوث موقف مع شخص ما .. وخاصة المقربين منا ( وكثيرا ما تحدث بين أفراد الأسرة) فنستخدم الغضب كطريقة للفت الانتباه ، ولنشعر الطرف الآخر بأننا نحتاج إلى الاهتمام والشعور بالأمان ، ولكن بهذه الطريقة الطفولية . والحقيقة أننا نستطيع أن نوصل شعورنا بعدم الأمان أو الأهمية بطريقة ناضجة أكثر .. وهو الحوار والتعبير عن تلك المشاعر التي تجول بداخلنا .. حتى تصل بشكل واضح إلى الطرف الآخر ، لأن الغضب قد يوصل فكرة أخرى بعيدة كل البعد عن المشاعر الحقيقية.
العامل السادس: قد تكون محاولة للهروب من المواجهة عندما نقترف خطأ فالشعور بالذنب وصغر الذات أمام الآخر ، يجعلنا نستخدم الغضب للتعبير عن عدم تقبلنا لضعفنا في مواقف كهذه ، وأيضا محاولة لإظهار عدم الانهزام وعدم تقبل أي لوم أو عقاب من الآخر ، وهذه الطريقة في الواقع تجعلنا نعيش الموقف بقلق أكبر ، وقد يستمر وقتا أطول ، بينما الاعتراف لأنفسنا أولاً وللطرف الآخر ثانيا بارتكابنا الخطأ والاعتذار وتقبل اللوم من الآخر هذا يساعدنا على تجاوز الموقف بهدوء وسلام.
العامل السابع: كثرة الضغوط من عدة جهات : أسرية ،عملية،دراسية، وعدم مواجهتها وحلها أولا بأول ، يجعلها تتراكم لتنفجر في النهاية على أبسط المواقف . وربما على أقرب الناس.
لذا فمن المهم عدم نقل ضغوط ومشكلات العمل إلى المنزل مثلا، أو تركها بدون حل ومواجهة ، والعكس صحيح . فتراكم المشكلات البسيطة يصبح في النهاية جبلا من الهموم والضغوط.
العامل الثامن: عدم التعبير وكبت المشاعر السلبية .. وكثيرا ما يحدث بين الأزواج أو الأصدقاء فيظل الفرد يحمل تلك المشاعر وهي في ازدياد دون أن يظهرها في وقتها بالشكل المناسب لتظهر بعد أن تكومت في نوبة غضب كبيرة ربما على موقف بسيط لا يستحق الثورة من الانفعال والغضب.
لذلك من المهم أن نعبر عما يدور في خلدنا من مشاعر تكونت من الطرف الآخر لنقولها له بطريقة أكثر هدوءا وبأسلوب مناسب وفي وقت مناسب.
وقد تكون الأسباب التي تجعلنا نختار الغضب أكثر من ذلك ، ولكن هذه أبرزها.
خطوات عملية تساعد في تخفيف حدة الغضب
وفيما يلي استعراض لبعض الخطوات العلمية التي تساعد في تخفيف حدة الغضب.
وأهم الطرق المساعدة أن ندرك :
أننا السبب في حدوث الغضب وهو باختيارنا تماما.. لذلك نحتاج إلى أن نتأمل ما قمنا به سابقا أثناء المواقف التي غضبنا فيها لنستنتج أن السبب الحقيقي يكمن في داخلنا وليس في الآخرين أو في الخارج وكذلك في المواقف القادمة.
الخطوة الأولى:عندما نشعر أننا سندخل في نوبة من الغضب فلنحاول أن نتجاهل الموقف الخارجي ونركز على ما يدور في دواخلنا لنرى أن نبضات القلب في ازدياد والتنفس في ازدياد وحرارة الجسد في ازدياد وربما هناك بداية رجفة في الأطراف وربما أيضا احمرار في الوجه.
هنا نحتاج إلى أن نكون أكثر أنانية لنعطي جسدنا حقه في الراحة ونبعده عن أي توترات قد تؤذيه لنجلس أو نبتعد إلى مكان آخر ونأخذ نفسا عميقا على الأقل ثلاث مرات ونردد : هدوء هدوء ...هدوء.
الخطوة الثانية:لنحاول أن نفسر الموقف بشكل صحيح ولا نأخذه بمحمل شخصي من الطرف الآخر ..ولا نفسره بشكل عاطفي بل بشكل منطقي عقلاني.
الخطوة الثالثة:لنفكر فورا بحل الموقف أو المشكلة بدلا من تضييع الوقت في التفكير السلبي في أن الآخر يريد أن يوقعنا في مشكلة أو يريد إهانتنا ...الخ.
الخطوة الرابعة:بعد أن أصبحنا أكثر هدوءا وفكرنا بطريقة سليمة منطقية ، لنتحدث مع الآخر بكل ثقة وهدوء واتزان من حقنا هنا أن نعبر بكل هدوء عن انزعاجنا مثلا من أسلوب الطرف الآخر في التخاطب معنا، وبكل ثقة نطلب منه أن يتحدث بطريقة أكثر هدوءا واحتراما أو قد نطلب منه أن نؤجل الحديث إلى وقت آخر لأننا بحاجة إلى هدوء أكثر ونكون فعلا مصرين على أن نتحدث في وقت لاحق ولا نستخدم هذه الطريقة للهروب.
الخطوة الخامسة:نحتاج إلى ممارسة الاسترخاء يوميا أو كلما شعرنا بأننا نمر بفترة من القلق والتوتر من ضغوط العمل أو من ضغوط أسرية أو دراسية أو جميعها.
ربما قد نأخذ وقتا حتى نتعلم كيف نتمالك أنفسنا في أوقات الانفعال الشديد ، ولكن مع التدريب سنتمكن بكل تأكيد لطالما أننا تعلمنا كيف نغضب فبكل تأكيد سنتعلم كيف يكون أكثر نضجا واتزانا.