العقــل البشري
بين الحبة السوداء والوجبات السريعة
بقلم أ· د· نبيل سليم
إذا كان الذكاء هو محصلة ما يأكله الإنسان، فإن هناك من النباتات التي وهبنا الله إياها لها أياد بيضاء على سلامة مخ الإنسان وصحته، منها "
حبة البركة " أو "
الحبة السوداء " ، ويقول لنا التاريخ إنه حين أزاح اللورد (كارتر) الستار عن كشفه الأثري المهم، وهو مقبرة الملك الفرعوني (توت عنخ آمون) لم يكن يعلم ماهية الزيت الأسود اللون الذي وجد ضمن مقتنيات هذا الملك الشاب، والذي عرف فيما بعد بزيت (
حبة البركة) أو (
الحبة السوداء)، وقد عرف المصريون القدماء نبات حبة البركة، ولكن لم يعرف على وجه التحديد كيف استخدموها في حياتهم اليومية، وكانوا يعرفونها باسم (
شنت)، إلا أن اكتشاف زيت هذا النبات ضمن مقتنيات أحد ملوكهم، يدل بصورة قاطعة على مدى أهمية زيت هذا النبات في هذه الفترة·
وكتب (ديسكوريدس) وهو طبيب يوناني شهير، عاش في القرن الأول الميلادي:
أن بذور حبة البركة كانت تستخدم في علاج الصداع واحتقان الأنف وآلام الأسنان، بالإضافة إلى استخدامها لطرد الديدان، كذلك استخدمت كمدر للبول واللبن·أما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، قلت: وما السام؟ قال: الموت؟)·
وقد كتب البيروني، وهو من علماء المسلمين (1048م ـ 973هـ) عن الأصل الهندي لهذا النبات ومدى قيمته الغذائية والصحية العالية في سلامة العقل من أية آفة، وتقوية القدرة على التفكر والتذكر·
وتحتل حبة البركة في الطب اليوناني/ العربي الذي وضع أسسه (هيبوقراطيس) و(جالن) و(ابن سينا) مكانة كبيرة، حيث كانت لها أهمية كبيرة في علاج أمراض الكبد والجهاز الهضمي، وفي كتابه الشهير (القانون في الطب) يرى ابن سينا أن حبة البركة يمكن أن تحفز الطاقة وتساعد على قوة التركيز وصفاء الذهن، وتساعد على التغلب على الإرهاق والإجهاد·
ومؤخراً تم نشر
أكثر من 150 بحثاً علمياً في الدوريات العلمية العالمية المختلفة عن فوائد استخدام حبة البركة، حيث أكدت تلك الأبحاث كل الفوائد التي ذكرها القدماء عن هذا النبات، وتأتي معظم هذه الأبحاث من أوروبا، وتحديداً النمسا وألمانيا، حيث ظهرت حبة البركة في مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوروبية، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي·
وقد عكف العلماء منذ زمن طويل على معرفة كيفية عمل الحبة السوداء وخاصة دورها في عملية تنمية الذكاء وتنشيط خلايا المخ، حيث وجدوا أنها تحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن والبروتينات النباتية، بالإضافة إلى بعض الأحماض الدهنية غير المشبعة، فإن تلك الأحماض والعناصر النباتية مهمة لصحة أجهزة وخلايا الجسم، وكذلك ضبط مستوى الدم وإنتاج الهرمونات وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة، وبالإضافة إلى المكونات السابقة ثبت أن حبة البركة تحتوي على مادة <
النيجيللون>، وهي مادة بلورية تم استخلاصها لأول مرة في عام 1992م، وهي تعدّ أحد مضادات الأكسدة الطبيعية مثل فيتامين (ج) و(أ)، وكذلك مادة الجلوتاثيون التي تؤدي دوراً أساسياً في حماية الجسم من مخاطر ما يسمى بالشوارد الحرة (Free radicals) وغيرها من المواد الغريبة·
وتعد حبة البركة غنية بالعناصر المهمة للجسم
خاصة في نمو الأطفال، حيث تحتوي على حمض <الأرجينين> وهو حمض مهم وضروري لنمو الطفل بدنياً وذهنياً، كما أنها مصدر للطاقة التي تنشط عمل المخ وتزيد من حدة ذكائه، حيث وجد أنها تساعد على الحفاظ بحرارة الجسم الطبيعية، خاصة أن طبيعة الغذاء الغربية المسيطرة الآن على العادات الغذائية في بلدان العالم المختلفة مثل
الآيس كريم والزبادي والبيتزا والجبن والهامبرجر وغيرها من الوجبات السريعة >تك آواي< تستهلك الكثير من طاقتنا الحيوية مما يؤدي إلى ظهور الكثير من الأمراض، خصوصا لدى الأطفال الذين يقبلون على تلك الأغذية بشراهة منقطعة النظير·وكثيراً ما نجد أن هؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات في الفهم والقدرة على الاستيعاب، وأن لديهم مشكلات في مستوى الذكاء ويعانون من كثرة النسيان·· ففي هذه الأيام التي انتشرت فيها الوجبات السريعة خرجت دراسات عديدة تحذر من تناول المأكولات ناقصة الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية والأمينية الأساسية والألياف، كما أكدت أن هذه المأكولات التي منها الوجبات السريعة،
تؤثر سلباً في قدرات الطفل الفكرية وتجعله كثير الحركة وغير مستقر، وتسهم في التشتيت الذهني وعدم التركيز·وفي واحد من أقوى التحذيرات الصحية من خطر الوجبات السريعة، وصفت وزارة الصحة البريطانية هذه الوجبات بأنها >
قنبلة موقوتة< تهدد شباب بريطانيا، وأوضحت هيئة المعايير الغذائية والصحية أن شباب بريطانيا يواجهون تهديدات بأمراض ذهنية خطية، ومشكلات صحية بالغة في المستقبل، بسبب كميات الدهون المشبعة في السندويتشات ووجبات الشوارع·